بحثت طويلا في ضروب السياسة المختلفة ، ومناحي الإمبراطوريات المتباينة ؛ علني أجد ما يخفف لوعتي ، إلا أن محاولاتي باءت بالفشل .
لم أجد دولة واحدة على وجه البسيطة تجرم الانتخابات ، وتلصق تهمة " التخطيط للانتخابات " لكل من تسول له نفسه أن يفكر في ذلك ، ثم تزج به في غياهب المعتقلات والسجون .
لكن نظامنا المصري تفرد عن غيره من نظم الحكم في العالم بأسبقيته في ابتداع وابتكار أساليب للتزييف والتزوير والخروج على القانون ، حتى أنه صار بمثابة مدرسة ل" الفجر السياسي " .
وفي موسم من مواسمه ، انتشرت مراسم التبجح والفساد والإفساد وانتهاك الدستور والقانون من أجل الحفاظ على نظام حكمه ، في صورة أشبه ما تكون بالتضحية بالأم والجنين في سبيل صحة " الدكتور " .
اعتدنا منذ زمن أنه قبيل أية انتخابات نيابية كانت أو طلابية أو نقابية أو محليات أنه موسم من مواسمهم يتفننون فيه في كبت الحريات ، وكتم أي صوت شريف نزيه .
لكن الأمر هذه المرة ضرب بكل التوقعات عرض الحائط ، وهاهم يلجأون إلى تلبيسة من تلبيس إبليس ، لم يزوروا إرادة الناخبين هذه المرة ، أو يحيطون اللجان بعسكر الأمن .
أبوا إلا أن يريحوا المواطن من شقاء الاختيار وعناء الانتخاب ، فقصروا الترشيح على سدنتهم وأشياعهم .
بل قذف الله في قلوبهم الرعب فشكوا في أتباعهم وأشياعهم ، فاشترطوا أن يوقع كل منهم على تنازل مسبق وكذا توكيل لأمين التنظيم بالحزب .
معركة ربما اشتد وطيسها قبل أن تبدأ من الأساس ، لجأوا لتأجيلها عامين خشية سيطرة الإخوان ، وهاهو الفشل يلاحقهم ، فلم يستطيعوا صد شعبيتهم أو التقليل منها .
وبنظرة موضوعية نجد أن النظام ورط نفسه والشعب كله بلا أي رؤية ولا رويّة .. حين عدل المادة 76 من الدستور نصت على حق " المستقل " في الترشح لرئاسة الجمهورية شريطة موافقة ثلاثمائة عضو علي الأقل من الأعضاء المنتخبين لمجلسي الشعب والشورى والمجالس الشعبية المحلية للمحافظات منهم 65 من نواب الشعب ، و25 من أهل الشورى ، وعشرة من أعضاء كل مجلس شعبي محلي في المحافظة ل 14محافظة علي الأقل .
وكانت الصدمة المفجعة حصد الإخوان المسلمين 88 مقعدا بدلا من 65 ، وان كان الشورى قد "طُبّخ" بالتزوير ، فان حكومتنا الرشيدة لن تنتظر حتى يسيطر الإخوان على المحليات ، و 140 مرشحا ليست معضلة أبدا كي يحصدها الإخوان في المحليات .
وإن كان الترشح للرئاسة ليس هدفا للإخوان في المرحلة الحالية - والعياذ بالله من هذا الجرم - إلا أن النظام نظر نظرة أعم وأشمل ، أنه من اليسير أن يصعد الإخوان في التجديد النصفي لمجلس الشورى بعد أقل من عامين بعدد يفوق ال 25 ، وحينها تكون المعركة قد انتهت .
فكانوا هم من ورط نفسه بتعديل الدستور ، ثم "زادوا الطين بلة " بقرار تجميد المحليات لعامين ، وهاهم يتجرعون نتيجة فشلهم وورطتهم ، فتريثوا أيها الجهّال في "سلق" قوانينكم ، وغيروا " ترزية " قوانينكم الكهلة والجهلة.
وكان الحل الوحيد منع " الزحف " بكل الوسائل الممكنة شرعية كانت أو غير ذلك ، طلبات تعجيزية ، أصول الشهادات والتي من الممكن أن تكون في ملف عمل أحد المتقدمين دون الاكتفاء بصورة طبق الأصل مختومة بختم الشعار كما ينص القانون .
وحين جهز المرشحون أوراقهم بعد طول عناء ومشقة ، لن نستلم منكم أوراقكم !! ، ومن سلمها فدون إيصال ، ومن أخذ إيصالا فغير مختوم .
بأي منطق يقدم لك شخصا كافة أصول شهاداته وأوراقه بلا أي سند يضمن له ردها ؟!!
إلا أن الحق لن يُزهق أبدا .. وبعد اعتصامات ومشادات مطولة ، والتماسات لجميع الهيئات والجهات بدءا من رؤساء المدن مرورا إلى المحافظين ، قدم المحامون " إنذار عرض " ، و حكم القاضي بالمحكمة الكلية بتسليم أوراقهم على يد " مُحضر " .
الطريف أن عددا مهولا من المحضرين أخذ أجازات بأثر رجعي ، والبعض انصرف دون إذن ، ومن تواجد منهم وتسلم الأوراق ( اختطف ) من أمام المحكمة كما حدث في ميت غمر - دقهلية .
قلت ربما لأنهم يخشون الإخوان !! ، لكنني صُدمت حين وجدتهم يضيقون على " مرشحات الإخوان " بل على أشياعهم هم !!
نظام عجز أمام أبسط المواجهات وأقل التحديات ، نظام أهلك الحرث والنسل ، بين عشية وضحاها يُدمر اقتصاد الشعب وقوت يومه ، ويسرطن أطعمته وزرعه ، ويضيع له حقه ، يحاكم شرفاءه ويهرب فسّاده .. لهو نظام أحمق الخطى ، كهل البنيان .
أسأل الله أن ييسر لكل صاحب حق السبيل
وأن يول أمورنا خيارنا ، ويهدي أشرارنا
والله حسبنا ونعم الوكيل .
أحمد البوسطجي
بوست جميل ياباشا
ربنا يزيديك علم على علمك
حسبى الله ونعم الوكيل