الأربعاء، 10 أكتوبر 2007
بدو سيناء والأمن القومى المصرى

العريش تحترق فى الأحداث الأخيرة

اندلعت أعمال شغب عنيفة وواسعة النطاق فى مدينة العريش المصرية وهاجم المحتجون المبانى الحكومية ومقر الحزب الوطنى الحاكم وأضرموا فيها النيران على خلفية نزاع قبلى بين أكبر قبيلتين فى العريش وهما الترابين والفواخرية حيث اتهمت قبيلة الفواخرية قبيلة الترابين باطلاق النار على أبناء قبيلة الفواخرية ووقوع اصابات واتهمت الشرطة بالتقاعس فى حماية القبيلة بل بالانحياز لقبيلة الترابين وهو مايفسر أعمال الشغب الخطيرة فى المدينة واستهداف المبانى الحكومية . وقامت الشرطة متأخرة – كالعادة – بالسيطرة على أعمال الشغب بعد اعتقال العشرات من المواطنين .
هنا يبدوا المشهد عاديا وان شئت قل روتينيا حيث اعتاد المواطنون أصحاب المظالم فى ظل الأوضاع السيئة التى يعيشونها مع حكومة الفساد والاستبداد أن يحتجوا علىطريقتهم الخاصة للحصول على مطالبهم أو دفع الأذى عنهم .
فمن التظاهر السلمى الى قطع الطرق الى الاحتجاج الجماعى والاعتصامات ثم الوصول الى المحظور وهو الاجراء العنيف من قبل المواطنين الذى لم نكن نريده ولانتمناه والمتمثل فى أعمال شعب واتلاف وحرق المؤسسات الحكومية كما حدث فى العريش .
والأغرب والأخطر فى الموضوع هو تسطيح المشكلة كونها نزاع بين قبيلتين وقد تم علاجها عن طريق القضاء العرفى والصلح بين طرفى النزاع ودمتم !
وكالعاده فان مصر القوية التى تحتضن كل أبناء الوطن ترفض أعمال الجهات المشبوهة التى تتلقى تعليمات من الأعداء فى الخارج بهدف زعزعة استقرار المنطقة وسوف تقوم مصر بحماية أمنها القومى ووحدتها الوطنية من العناصر المدسوسة الخارجة عن القانون والتى تحاول زعزعةالاستقرار – هذا بيان يلقيه مسئول فى الداخلية أو محافظ شمال سيناء أو متحدث رسمى باسم الحكومة ونغلق الباب علىالموضوع !


لكن المشكلة أعمق وأخطر من هذا وتشكل تهديدا حقيقيا للأمن القومىالمصرى الداخلى والخارجى .
فالمشكلة بين بدو سيناء والسلطة المركزية فى توتر متصاعد خلال السنوات الأربع الاخيرة، مع ترسخ صناعة السياحة في جنوب سيناء في منتجعات مثل شرم الشيخ ودهب وطابا وغيرها وحدوث تفجيرات كبيرة بتلك المنتجعات هزت صورة مصر فى العالم وهددت صناعة السياحة فيها وتزامنت هذه التفجيرات مع أعياد ومناسبات وطنية مثل تفجير فندق في طابا في السابع من اكتوبر 2004 أوقع عشرات القتلى والجرحى وتزامن مع احتفال مصر بذكرى حرب اكتوبر لعام 1973.
كذلك تفجيرات شرم الشيخ في 23 يوليو 2005 الذي تزامن مع ذكرى ثورة يوليو 1952، ثم تفجيرات دهب في 24 ابريل 2006 متزامنا مع عيد شم النسيم وعشية الاحتفال بعيد تحريرسيناء
تبلغ مساحة شبه جزيرة سيناء 60 الف كم مربع وتشكل سدس مساحة مصر ويسكنهامايقرب من نصف مليوم مواطن 75 % منهم من البدو وأشهر القباائل البدوية فيها قبائل "التياهة" و"الأحيوات" و"العزازمة" و"السواركة". ويقيم معظمهم في عرائش مصنوعة من جريد النخيل وخيام ويشربون من مياه الآبار.


ولكى نضع حلا لتلك المشكلةالمتفاقمه وتداعياتها على الأمن القومىالمصرى , وجب علينا البحث فى أسباب التوتر المتزايد بين السلطات المصرية وبدو سيناء
1 – نظرة العميل والخائن
اشتكى بدو سيناء مرارا وتكرارا من النظرة الدونية التى يملؤها الشك والريبة من السلطات المصرية تجاه بدو سيناء على أنهم مجموعة من العملاء والخونة للكيان الاسرائيلى ومهربين للسلاح والمخدرات عبر الحدود المصرية الفلسطينية التى تبلغ 51 كم منها 11 كيلوا بين قطاع غزة ومصر , وعبروا مرارا بأنهم وطنيون خلص ويشهد على ذلك تقارير المخابرات المصرية التى سجلت لهم كثيرا من البطولات وبخاصة فى فترة احتلال سيناء التى امتدت 12 عاما منذ استولت عليها اسرائيل عام 67
2 – ضعف التنمية فى شبه جزيرة سيناء
باستثناء الاهتمام بصناعة السياحة من قبل السلطات فلم ينعكس ذلك ايجاباعلى السكان حيث توجد مناطق بأكملها محرومة من البنية التحتية كالصرف الصحى ومياه الشرب النقية وسائر الخدمات الأساسية التى يحتاجها السيناويون , فمع اتساع النطاق الجغرافى لسيناء وامتداد شواطئها لم تستغل الحكومة هذه المعطيات لتنمية سيناء والاهتمام بالمواطن البدوى الذى عانى من الاحتلال سنوات طويلة .
3 – تجاوزات الشرطة ضد البدو
فبعد تفجير فندق طابا عام 2004 اتهمت السلطات المصرية بدو سيناء بأنهم وراء التفجير وكالعاده قامت الداخلية باعتقال الآلاف من البدو على خلفية التفجيرات التى جرت وعلى قاعدة المواطن مدان حتى تثبت براءته واشتكى البدو من هذه المعاملة ونظموا العشرات من المظاهرات والاحتجاجات للافراج عن ذويهم ولم تستجب السلطات الا بشق الأنفس وبعد اهانات وتضييقات على المعتقلين وذويهم ولازال المئات منهم حتىالآن رهن الاعتقال وبخاصة بعد التفجيرات التى توالت بعد ذلك .
وكان أشهر هذه الانتهاكات التى حدثت للبدو من قبل الداخلية المصرية الحادث المشهور الذى قتل فيه اثنان من قبيلة السواركه فى كمين للشرطة المصرية حيث قالت الشرطه أن القتيلين كانا يقومان بتهريب المخدرات وأطلقا النار على الكمين وقاما بالهرب مما اضطر الشرطه لاطلاق النار عليهما فسقطا قتيلين , ونفت قبيلة السواركه هذا الكلام نفيا قاطعا وقالت ان الرصاصات القاتله أطلقت من الأمام فى الصدر والحادث متعمد على خلفية نزاع على أراضى بين بعض قيادات الشرطة والقبيلة .
وآخر هذه الانتهاكات قيام السلطات المصرية بازالة عشرات المساكن للبدو على حدود رفح المصرية بزعم أنها مخالفة وتعديات على أملاك الدولة فى حين أن الهدف المعروف هو محاولة ارضاء أمريكا واسرائيل بأن الحكومة تبذل جهودا مضنية لمكافحة تهريب السلاح للمقاومة فى غزة على أساس ان هذه البيوت مصدر لهذه الأنفاق وأن البدو المهربون الفعليون لتلك الأسلحة
4 – صراع على النفوذ وعدم الحياد
حيث يزعم البدو ان الشرطة المصرية لاتعامل البدو بحيادية ودليل ذلك أحداث العريش الأخيرة حيث لم تتدخل الشرطة لحماية قبيلة الفواخرية من اعتداءات فبيلة الترابين الواسعة النفوذ والتى تتمتع بصلات قوية مع قيادات أمنية والأمر متعلق بظروف معيشية واقتصادية تحكم هذه العلاقة وهو مادفع الاحتجاجات أن تتحول لشكل انتقامى من المؤسسات الحكومية والحزب الحاكم
واذا دققنا النظر فى طبيعة الصراع على الحدود المصرية مع الكيان الصهيونى ندرك الأهمية الاستراتيجية التى يمثلها البدو على الأمن القومى المصرى وندرك أن من مصلحة الوطن استيعاب هذه القبائل لأجل الصالح العام للأسباب الآتية
1 – شبه جزيرة سيناء وبخاصة الحدود المصرية مع الكيان الصهيونى منطقة منزوعة السلاح حسب اتفاقية كامب ديفيد الذى وقعها السادات مع الكيان الصهيونى عام 1979 , وأن هذه الاتفاقية لاتسمح لمصر بوجود جيش نظامى أو معدات ثقيلة فى تلك المناطق ماعدا دوريات للشرطة المصرية وقد عدلت هذه الاتفاقية لتسمح بوجود 750 جنديا مصريا على الحدود لمنع تهريب الأسلحة للمقاومة .
2 – البدو معظمهم يحمل السلاح ويعيش فى الجبال الوعرة ويمكن أن يشكلوا مصدر ازعاج أو عامل أمان للسلطات المصرية حسب شكل التعامل معهم .
3 – نظرا لضعف قوات الأمن المصرية عددا وعدة فى تلك المناطق فان أعدادا كبيرة من اللاجئين وبخاصة السودانيين تعكر الاجواء لمحاولة العبور للكيان الصهيونى للعيش فيه مما يعبث بالأمن القومى المصرى.
4 – يقوم الكيان الصهيونى من وقت لآخر بتجنيد بعض العناصر وامدادها بالمتفجرات لمحاولة زعزعة الاستقرار وابتزاز مصر سياسيا وبخاصة الوثائق التى ضبطت فى مبنى الأمن الوقائى والتى أثبتت تورط هذا الجهاز فى تمويل عناصر مشبوهه فى سيناء لحساب اسرائيل لزعزعة الاستقرار فى سيناء للضغط على مصر وابتزازها سياسيا.
5 – معبر رفح هو المتنفس الوحيد للفلسطينين على الخارج وبخاصة قطاع غزة وهذا المعبر أصبح يمثل تهديدا استراتيجيا لمصر لاحتمال تدفق لاجئين فلسطينيين من قطاع غزة الى سيناء بعد الحصار والتضييق الشديدين على القطاع وبخاصة بعد استيلاء حركة حماس عليه فى شهر يونيو 2007 .
6 – التهديدات الاسرائيلية المتكرره بضرب الحدود المصرية الملامسة لقطاع غزة بالطائرات وبأحدث الأسلحة المتطورة لمنع تهريب السلاح للمقاومة الفلسطينية .
7 – شبه جزيرة سيناء منطقة جذب سياحى , وتشكل عمقا مهما للاقتصاد المصرى وأى توتر يؤدى لهروب السياح وضرب صناعة السياحة , مما يضعف من نمو الاقتصاد المصرى , هذا اذا كان هذا الاقتصاد ينمو بالفعل.
مما سبق نلفت الانتباه أن العمق الاستراتيجى المصرى فى تلك المنطقه أصبح مرهونا بالعلاقة بين السلطات المصرية والبدو فمن الممكن أن يشكل البدو صمّام أمان وجدار عازل لحماية الحدود المصرية ان أحسنت الحكومة التعامل معهم باعتبارهم مواطنين مصريين يستحقون كل الاحترام والرعاية وبخاصة فى منطقة منزوعة السلاح وهى خالية من الجيش المصرى ومن أى قوات أمنية قوية وهى محل مطمع للعدو الصهيونى.
د محمد يوسف
 
posted by د محمد يوسف at 1:45 م | Permalink |


0 Comments: